فقال: إنّي كنت مسلماً وإنّ القوم استكرهوني.
فقال عليه السلام: «
الله أعلم بإسلامك، إن يكن حقّاً فإنّ
الله يجزيك به، فأمّا ظاهر أمرك فقد كان علينا».
قال: فليس لي مالٌ.
قال: «فأين المال الذي وضعته عند اُمّ الفضل بمكّة وليس معكما أحدٌ فقلت لها: إن اُصبت في سفري هذا فهذا المال لبنيّ: الفضل وعبد
الله وقثُم؟».
فقال: و
الله يارسول
الله إنّي لأعلم أنّك رسول
الله، إنّ هذا لشيء ما علمه أحدٌ غيري وغير اُمّ الفضل، فأحسب لي يا رسول
الله ما أصبتم منّي من مال كان معي عشرون أوقيّة.
فقال رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم : «لا، ذاك شيء أعطانا
الله منك».
ففدى نفسه بمائة أوقيّة، وفدى كلّ واحد بأربعين أوقيّة
(18).
وقتل عليّ عليه السلام ببدر من المشركين: الوليد بن عتبة بن ربيعة وكان
شجاعاً فاتكاً، والعاص بن سعيد بن العاص بن اُمّية والد سعيد بن العاص،
وطعيمة بن عديّ بن نوفل شجره بالرمح وقال: «و
الله لا تخاصمنا في
الله بعد اليوم أبداً» ونوفل بن خويلد، وهو الذي قرن أبا بكر وطلحة قبل الهجرة
بحبل وعذّبهما يوماً إلى الليل، وهو عمّ الزبير بن العوّام، ولمّا أجلت
الوقعة قال النبيّ صلّى
الله عليه وآله وسلّم
«من له علم بنوفل»؟ فقال عليه السلام: «أنا قتلته» فكبّر النبي عليه
السلام ثمّ قال: «الحمد لله الذي أجاب دعوتي فيه»
(19).
وروى جابر، عن الباقر، عن أمير المؤمنين عليهما السلام فقال: «لقد تعجّبت
يوم بدر من جرأة القوم وقد قتلت الوليد بن عتبة، إذ أقبل إليّ حنظلة ابن
أبي سفيان فلمّا دنا منّي ضربته بالسيف فسالت عيناه ولزم الأرض قتيلاً»
(20).
وقتل زمعة بن الأسود، والحارث بن زمعة، وعمير بن عثمان بن كعب ابن تيم عمّ طلحة بن عبيد
الله، وعثمان ومالكاً أخوي طلحة في جماعة، وهم في ستّة وثلاثين رجلاً
(21).
وقتل حمزة بن عبدالمطّلب شيبة بن ربيعة بن عبد شمس، والأسود بن عبد الأسود المخزومي
(22).
وقتل عمرو بن الجموح أبا جهل بن هشام، ضربه بالسيف على رجله فقطعها ودفّف
(23) عليه عبدلله بن مسعود فذبحه بسيفه من قفاه، وحمل رأسه إلى رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم.
قال عبد
الله: وجدته بآخر رمق فعرفته فوضعت رجلي على مذمّره ـ أي عنقه ـ وقلت: هل أخزاك
الله ياعدو
الله؟ قال: رويعي الغنم! لقد ارتقيت مرتقاً صعباً. قال: ثمّ اجتززت رأسه فجئت به رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم فقلت: هذا رأس عدوّ
الله أبي جهل، فحمد
الله تعالى
(24).
وقتل عمّار بن ياسر اُمّية بن خلف
(25).
وأمر رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم أن تلقى القتلى في قليب بدر، ثمّ وقف عليهم وناداهم
بأسمائهم وأسماء آبائهم واحداً واحداً، ثمّ قال: «قد وجدنا ما وعدنا ربّنا
حقّاً، فهل وجدتم ما وعد ربكم حقّاً» ثمّ قال: «إنّهم ليسمعون كما تسمعون
ولكن منعوا عن الجواب»
(26).
واستشهد من المسلمين يوم بدر أربعة عشر رجلاً، منهم: عبيدة بن الحارث بن
عبدالمطّلب، وذو الشمالين عمرو بن نضلة حليف بني زهرة، ومهجع مولى عمر،
وعمير بن أبي وقّاص، وصفوان بن أبي البيضاء
(27)وهؤلاء من المهاجرين، والباقون من الأنصار
(28).
ولمّا رجع رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم إلى المدينة من بدر لم يقم بالمدينة إلاّ سبع ليال حتّى
غزا بنفسه يريد بني سليم، حتّى بلغ ماء من مياههم يقال له: الكدر، فأقام
عليه ثلاث ليال، ثمّ رجع إلى المدينة ولم يلق كيداً، فأقام بها بقيّة شوّال
وذا القعدة، وفادى في إقامته جلّ اُسارى بدر من قريش
(29).
ثمّ كانت غزوة السويق
(30) ، وذلك أنّ أبا سفيان نذر أن لا يمسّ رأسه من جنابة حتّى يغزو محمّداً،
فخرج في مائة راكب من قريش ليبرّ يمينه، حتّى إذا كان على بريد من المدينة
أتى بني النضير ليلاً ، فضرب على حييّ بن أخطب بابه، فأبى أن يفتح له،
فانصرف عنه إلى سلاّم بن مشكم ـ وكان سيّد بني النضير ـ فاستأذن عليه فأذن
له وسارّه، ثمّ خرج في عقب ليلته حتّى أتى أصحابه، وبعث رجلاً من قريش إلى
المدينة، فأتوا ناحية يقال لها: العريض، فوجدوا رجلاً من الأنصار وحليفاً
له فقتلوهما، ثمّ انصرفوا ونذر بهم الناس.
فخرج رسول
الله في طلبهم حتّى بلغ قرقرة الكدر
(31)فرجع وقد فاته أبو سفيان، ورأوا زاداً من أزواد القوم قد طرحوها يتخفّفون منها للنجاء، فقال المسلمون حين رجع رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم بهم: يارسول
الله، أنطمع أن تكون لنا غزوة؟ فقال عليه السلام: «نعم»
(32).
ثمّ كانت غزوة ذي أمّر، بعد مقامه بالمدينة بقيّة ذي الحجّة والمحرّم،
مرجعه من غزوة السويق، وذلك لمّا بلغه أنّ جمعاً من غطفان قد تجمّعوا
يريدون أن يصيبوا من أطراف المدينة عليهم رجل يقال له: دعثور بن الحارث ابن
محارب، فخرج في اربعمائة وخمسين رجلاً ومعهم أفراس، وهرب منه الأعراب فوق
ذُرى الجبال، ونزل صلّى
الله عليه وآله وسلّم ذا أمّر وعسكر به، وأصابهم مطر كثير. فذهب رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم لحاجته فأصابه ذلك المطر فبلّ ثوبه، وقد جعل رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم وادي أمرّ بينه وبين أصحابه، ثمّ نزع ثيابه فنشرها لتجفّ
وألقاها على شجرة ثمّ اضطجع تحتها، والأعراب ينظرون إلى كلّ ما يفعل رسول
الله، فقالت الأعراب لدعثور ـ وكان سيّدهم وأشجعهم ـ قد أمكنك محمّد وقد انفرد من بين أصحابه حيث إن غوّث بأصحابه لم يغث حتّى تقتله.
فاختار سيفاً من سيوفهم صارماً، ثمّ أقبل مشتملاً على السيف حتّى قام على رأس رسول
الله بالسيف مشهوراً فقال: يا محمّد من يمنعك منّي اليوم؟
قال: «
الله».
ودفع جبرئيل في صدره فوقع السيف من يده، فأخذه رسول
الله وقام على رأسه وقال: «من يمنعك منّي»؟.
قال: لا أحد، وأنا أشهد أن لا إله إلاّ
الله، وأنّ محمّداً رسول
الله، و
الله لا اُكثر عليك جمعاً أبداً. فأعطاه رسول
الله سيفه ثمّ أدبر، ثمّ أقبل بوجهه ثمّ قال: و
الله لاَنت خير مني.
قال رسول
الله: «أنا أحقّ بذلك منك».
فأتى قومه فقيل له: أين ما كنت تقول وقد أمكنك والسيف في يدك؟
قال: قد كان و
الله ذلك، ولكنّي نظرت إلى رجل أبيض طويل دفع في صدري فوقعت لظهري، فعرفت أنّه ملك، وشهدت أنّ محمداً رسول
الله، و
الله لا اُكثر عليه. وجعل يدعو قومه إلى الاِسلام ونزلت هذه الآية
يا اَيُّها الذِين آمَنُوا اذكُرُوا نِعمَةَ
الله عَليكُم اِذ هَمَ قَومٌ اَن يَبسُطُوا اِلَيكُم اَيدِيَهُم فَكَفَّ اَيدِيهم عَنكُم) الآية
(33)(34).
ثمّ كانت غزوة القردة، ماء من مياه نجد، بعث رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم زيد بن حارثة بعد رجوعه من بدر إلى المدينة بستّة أشهر،
فأصابوا عيراً لقريش على القردة فيها أبو سفيان ومعه فضّة كثيرة، وذلك
لاَنّ قريشاً قد خافت طريقها التي كانت تسلك إلى الشام حين كان من وقعة
بدر، فسلكوا طريق العراق واستأجروا رجلاً من بكر بن وائل يقال له: فرات بن
حيّان، يدّلهم على الطريق، فأصاب زيد بن حارثة تلك العير، وأعجزته الرجال
هرباً
(35).
وفي رواية الواقدي: أنّ ذلك العير مع صفوان بن اُميّة، وأنّهم قدموا بالعير إلى رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم وأسروا رجلاً أو رجلين، وكان فرات بن حيّان أسيراً فأسلم فترك من القتل
(36).
ثمّ كانت غزوة بني قينقاع يوم السبت للنصف من شوّال على رأس عشرين شهراً من الهجرة، وذلك أنّ رسول
الله جمعهم وإياه سوق بني قينقاع، فقال لليهود: «احذروا من
الله مثل ما نزل بقريش من قوارع
الله، فأسلموا فإنّكم قد عرفتهم نعتي وصفتي في كتابكم».
فقالوا: يا محمّد، لا يغرّنّك أنّك لقيت قومك فأصبت فيهم، فإنّا و
الله لو حاربناك لعلمت أنّا خلافهم.
فكادت تقع بينهم المناجزة، ونزلت فيهم
قَد كانَ لَكُم آيَةٌ في فِئَتَينِ آلتَقَتا ـ الى قوله:ـ اُولي الأبصار)
(37)(38).
وروي: أنّ رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم حاصرهم ستّة أيّام حتّى نزلوا على حُكمِه، فقام عبد
الله بن اُبّي فقال: يا رسول
الله مواليّ وحلفائي وقد منعوني من الأسود والأحمر ثلاثمائة دارع وأربعمائة حاسر تحصدهم في غداة واحدة، إنّي و
الله لا آمن وأخشى الدوائر. وكانوا حلفاء الخزرج دون الأوس، فلم يزل يطلب فيهم
حتّى وهبهم له، فلمّا رأوا ما نزل بهم من الذل خرجوا من المدينة ونزلوا
اذرعات
(39) ونزلت في عبد
الله بن اُبيّ وناس من الخزرج(يا اَيُّها الذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا
اليَهُودَ وَالنَّصارى اَولِياءَ ـ إلى قوله:ـ في اَنفُسِهِم نادِمِينَ)
(40)(41).
ثمّ كانت غزوة اُحد على رأس سنة من بدر، ورئيس المشركين يومئذ أبو سفيان بن حرب، وكان أصحاب رسول
الله يومئذ سبعمائة والمشركين ألفين، وخرج رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم بعد أن استشار أصحابه، وكان رأيه عليه السلام أن يقاتل
الرجال على أفواه السكك ويرمي الضعفاء من فوق البيوت، فأبوا إلاّ الخروج
إليهم.
فلمّا صار على الطريق قالوا: نرجع، فقال: «ما كان لنبيّ إذا قصد قوماً أن يرجع عنهم».
وكانوا ألف رجل، فلمّا كانوا في بعض الطريق انخذل عنهم عبد
الله ابن اُبيّ بثلث الناس وقال: و
الله ما ندري على ما نقتل أنفسنا والقوم قومه، وهمّت بنو حارثة وبنو سلمة بالرجوع، ثمّ عصمهم
الله جلّ وعزّ، وهو قوله
اِذهَمَّت طَّائِفتانِ مِنكُم اَن تَفشَلا) الآية .
(42) وأصبح رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم متهيّئاً للقتال، وجعل على راية المهاجرين عليّاً عليه السلام، وعلى راية الأنصار سعد بن عبادة، وقعد رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم في راية الأنصار، ثمّ مرّ صلّى
الله عليه وآله وسلّم على الرماة ـ وكانوا خمسين رجلاً وعليهم عبد
الله بن جبير ـ فوعظهم وذكّرهم وقال: «اتّقوا
الله واصبروا، وإن رأيتمونا يخطفنا الطير فلا تبرحوا مكانكم حتّى اُرسل إليكم».
وأقامهم عند رأس الشعب، وكانت الهزيمة على المشركين، وحسّهم المسلمون بالسيوف حسّاً
(43).
فقال أصحاب عبد
الله بن جبير: الغنيمة، ظهر أصحابكم فماتنتظرون؟ فقال عبد
الله: أنسيتم قول رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم، أمّا أنا فلا أبرح موقفي الذي عهد إليّ فيه رسول
الله ما عهد.
فتركوه أمره وعصوه بعد ما رأوا ما يحبّون، وأقبلوا على الغنائم، فخرج كمين المشركين وعليهم خالد بن الوليد، فانتهى إلى عبد
الله بن جبير فقتله، ثمّ أتى الناس من أدبارهم ووضُع في المسلمين السلاح، فانهزموا، وصاح إبليس ـ لعنه
الله ـ: قُتل محمّد، ورسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم يدعوهم في اُخراهم: «أيها الناس اني رسول
الله وإنّ
الله قد وعدني النصر فإلى أين الفرار؟» فيسمعون الصوت ولا يلوون على شيء.
وذهبت صيحة إبليس حتّى دخلت بيوت المدينة، فصاحت فاطمة عليها السلام، ولم
تبق هاشميّة ولا قرشيّة إلاّ وضعت يدها على رأسها، وخرجت فاطمة عليها
السلام تصرخ
(44).
قال الصادق عليه السلام: «انهزم الناس عن رسول
الله فغضب غضباً شديداً، وكان إذا غضب انحدر من وجهه وجبتهه مثل اللؤلؤ من
العرق، فنظر فإذا عليّ عليه السلام إلى جنبه، فقال: مالك لم تلحق ببني
أبيك؟ فقال عليّ: يا رسول
الله أكفر بعد ايمان! إنّ لي بك اُسوة، فقال: أمّا لا فاكفني هؤلاء.
فحمل عليّ عليه السلام فضرب أوّل من لقي منهم، فقال: جبرئيل: إنّ هذه لهي
المواساة يا محمّد. قال : إنّه منّي وأنا منه . قال : جبرئيل وأنا منكما»
(45).
وثاب إلى رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم جماعة من أصحابه، واُصيب من المسلمين سبعون رجلاً، منهم أربعة من المهاجرين: حمزة بن عبد المطّلب، وعبد
الله بن جحش، ومصعب بن عمير، وشماس بن عثمان بن الرشيد، والباقون من الأنصار
(46).
قال: وأقبل يومئذ اُبيّ بن خلف وهو على فرس له وهو يقول: هذا ابن أبي كبشة؟ بوء بذنبك، لا نجوتُ إن نجوتَ. ورسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم بين الحارث بن الصمّة وسهل بن حنيف يعتمد عليهما، فحمل
عليه فوقاه مصعب بن عمير بنفسه، فطعن مصعباً فقتله ، فأخذ رسول
الله صلّى
الله عليه وآله عنزة كانت في يد سهل بن حنيف ثمّ طعن اُبيّاً في جربان الدرع،
فاعتنق فرسه فانتهى إلى عسكره وهو يخور خوار الثور ، فقال أبو سفيان :
ويلكما أجزعك، إنّما هو خدش ليس بشيء. فقال: ويلك يا ابن حرب، أتدري من
طعنني، إنّما طعنني محمّد، وهو قال لي بمكّة: إنّي سأقتلك، فعلمت أنّه
قاتلي، و
الله لو أنّ ما بي كان بجميع أهل الحجاز لقضت عليهم. فلم يزل يخور الملعون حتّى صار إلى النار
(47).
وفي كتاب أبان بن عثمان: أنّه لمّا انتهت فاطمة وصفيّة إلى رسول
الله صلّى
الله عليه وآله ونظرتا إليه قال صلّى
الله عليه وآله وسلّم لعليّ: «أمّا عمتّي فاحبسها عنّي، وأمّا فاطمة فدعها».
فلمّا دنت فاطمة عليها السلام من رسول
الله صلى
الله عليه وآله وسلّم ورأته قد شجّ في وجهه واُدمي فوه إدماءً صاحت وجعلت تمسح الدم وتقول: «اشتدّ غضب
الله على من أدمى وجه رسول
الله» وكان يتناول رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم ما يسيل من الدم ويرميه في الهواء فلا يتراجع منه شيء
(48).
قال الصادق عليه السلام: «و
الله لوسقط منه شيء على الأرض لنزل العذاب»
(49).
قال أبان بن عثمان: حدّثني بذلك عنه الصباح بن سيابة قال: قلت: كسرت رباعيّته كما يقوله هؤلاء؟
قال: «لا و
الله، ما قبضه
الله إلاّ سليماً، ولكنّه شجّ في وجهه».
قلت: فالغار في اُحد الذي يزعمون أنّ رسول
الله صار إليه؟
قال: «و
الله ما برح مكانه، وقيل له: ألا تدعو عليهم؟ قال: اللّهم اهد قومي».
ورمى رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم ابن قُميئة بقذّافة فأصاب كفّه حتّى ندر
(50)السيف من يده
وقال: خذها منّي وأنا ابن قميئة.
فقال رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم: «أذلّك
الله وأقمأك »
(51).
وضربه عتبة بن أبي وقّاص بالسيف حتّى أدمى فاه، ورماه عبد
الله بن شهاب بقلاعة فأصاب مرفقه
(52).
وليس أحد من هؤلاء مات ميتة سويّة، فأمّا ابن قميئة فأتاه تيس وهو نائم
بنجد فوضع قرنه في مراقّه ثم دعسه فجعل ينادي: وا ذلاّه، حتّى أخرج قرينه
من ترقوته.
وكان وحشيّ يقول: قال لي جبير بن مطعم ـ وكنت عبداً له ـ: إنّ علياً قتل
عمّي يوم بدر ـ يعني طعيمة ـ فإن قتلت محمّداً فأنت حرّ، وإن قتلت عمّ
محمّد فأنت حرّ، وإن قتلت ابن عمّ محمّد فأنت حرّ. فخرجت بحربة لي مع قريش
إلى اُحد اُريد العتق لا اُريد غيره ولا أطمع في محمّد، وقلت: لعلّي اُصيب
من علي أو حمزة غرّة فأزرقه، وكنت لا أخطىء في رمي الحراب، تعلّمته من
الحبشة في أرضها، وكان حمزة يحمل حملاته ثمّ يرجع إلى موقفه
(53).
قال أبو عبد
الله عليه السلام: «وزرقه وحشيّ،
فوق الثدي، فسقط وشدّوا عليه فقتلوه، فأخذ وحشيّ الكبد فشدّ بها إلى هند
بنت عتبة، فأخذتها فطرحتها في فيها فصارت مثل الداغِصة
(54) ، فلفظتها.
قال وكان الحليس بن علقمة نظر إلى أبي سفيان وهو على فرس وبيده رمح يجأ به
في شدق حمزة فقال: يا معشر بني كنانة انظروا إلى من يزعم أنّه سيّد قريش ما
يصنع بابن عمّه الذي قد صار لحماً ـ وأبو سفيان يقول: ذقُ عقق ـ فقال أبو
سفيان: صدقت إنّما كانت منّي زلّة اكتمها عليّ.
قال: وقام أبو سفيان فنادىَّ بعض المسلمين: أحيّ ابن أبي كبشة؟ فأمّا ابن
أبي طالب فقد رأيناه مكانه. فقال عليّ عليه السلام: «إي والذي بعثه بالحقّ
إنّه ليسمع كلامك».
قال: إنّه قد كانت في قتلاكم مثلة، و
الله ما أمرت ولا نهيت، إنّ ميعاد ما بيننا وبينكم موسم بدر في قابل هذا الشهر.
فقال رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم: «قل: نعم».
فقال: «نعم».
فقال أبو سفيان لعليّ عليه السلام: إنّ ابن قميئة أخبرني أنّه قتل محمّداً
وأنت أصدق عندي وأبّر. ثمّ ولّى إلى أصحابه وقال: اتخذوا الليل جملاً
وانصرفوا.
ثمّ دعا رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم عليّاً عليه السلام فقال: «اتُبعهم فانظر أين يريدون، فإن
كانوا ركبوا الخيل وساقوا الإبل فإنّهم يريدونالمدينة ، وإن كانوا ركبوا
الإبل وساقوا الخيل فهم متوجّهون إلى مكّة»
(55) وقيل: إنّه بعث لذلك سعد بن أبي وقّاص فرجع وقال: فرأيت خيلهم تضرب
بأذنابها مجنوبة مدبرة، ورأيت القوم قد تجمّلوا سائرين. فطابت أنفس
المسلمين بذهاب العدوّ، فانتشروا يتتبّعون قتلاهم، فلم يجدوا قتيلاً إلاّ
وقد مثّلوا به، إلاّ حنظلة بن أبي عامر، كان أبوه مع المشركين فتُرك له.
ووجدوا حمزة قد شُقَّتْ بطنه، وجُدع أنفه، وقُطعت اُذناه، واُخذ كبده، فلمّا انتهى إليه رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم خنقه العبرة وقال: «لاُمثّلنّ بسبعين من قريش» فأنزل
الله سبحانه (وَان عاقَبتُم فَعاقِبُوا بِمِثلِ ما عُوقِبتُم بِهِ)
(56)الآية، فقال صلّى
الله عليه وآله وسلّم: «بل أصبر».
وقال صلّى
الله عليه وآله وسلّم: «من ذلك الرجل الذي تغسّله الملائكة في سفح الجبل؟».
فسألوا امرأته فقالت: انّه خرج وهو جنب. وهو حنظلة بن أبي عامر الغسيل
(57).
قال أبان: وحدّثني أبو بصير، عن أبي جعفر عليه السلام قال: «ذكر لرسول
الله رجلٌ من أصحابه يقال له: قزمان بحسن معونته لاِِخوانه، وزكّوه فقال صلّى
الله عليه وآله وسلّم: إنّه من أهل النار. فاُتي رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم وقيل: إنّ قزمان استشهد، فقال: يفعل
الله ما يشاء. ثمّ اُتي فقيل: إنّه قتل نفسه، فقال: أشهد أنّي رسول
الله.
قال: وكان قزمان قاتل قتالاً شديداً، وقتل من المشركين ستّة أو سبعة،
فأثبتته الجراح فاحتمل إلى دور بني ظفر، فقال له المسلمون: أبشر يا قزمان
فقد أبليت اليوم، فقال: بم تبشّروني! فو
الله ما قاتلت إلاّ عن أحساب قومي، ولولا ذلك ما قاتلت. فلمّا اشتدّت عليه الجراحة جاء إلى كنانته فأخذ منها مشقصاً
(58) فقتل به نفسه»
(59).
قال: وكانت امرأة من بني النجّار قتل أبوها وزوجها وأخوها مع رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم، فدنت من رسول
الله والمسلمون قيام على رأسه فقالت لرجل: أحي رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم ؟
قال: نعم، قالت: أستطيع أن أنظر إليه؟ قال: نعم، فأوسعوا لها فدنت منه وقالت: كلّ مصيبة جلل بعدك، ثمّ انصرفت.
قال: وانصرف رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم إلى المدينة حين دفن القتلى، فمرّ بدور بني لأشهل وبني ظفر، فسمع بكاء النوائح على قتلاهنّ، فترقرقت عينا رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم وبكى ثمّ قال: « لكنّ حمزة لا بواكي له اليوم». فلمّا
سمعها سعد بن معاذ واُسيد بن حضير قالوا: لا تبكينّ امرأة حميمها حتّى تأتي
فاطمة فتسعدها.
فلمّا سمع رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم الواعية على حمزة وهو عند فاطمة على باب المسجد قال: « ارجعن رحمكّن
الله فقد آسيتنّ بأنفسكنّ»
(60).
ثمّ كانت غزوة حمراء الأسد
(61) قال أبان بن عثمان: لمّا كان من الغد من يوم اُحد نادى رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم في المسلمين فأجوبوه، فخرجوا على علّتهم وعلى ما أصابهم
من القرح، وقدم عليّاً بين يديه براية المهاجرين حتّى انتهى إلى حمراء
الأسد ثمّ رجع إلى المدينة، فهم الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما
أصابهم القرح.
وخرج أبو سفيان حتّى انتهى إلى الروحاء، فأقام بها وهو يهم بالرجعة على رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم ويقول: قد قتلنا صناديد القوم فلو رجعنا استأصلناهم. فلقي معبد الخزاعيّ فقال: ما وراءك يا معبد؟
قال: قد و
الله تركت محمّداً وأصحابه وهم
يحرقون عليكم، وهذا عليّ بن أبي طالب قد أقبل على مقدّمته في الناس، وقد
اجتمع معه من كان تخلّف عنه، وقد دعاني ذلك إلى أن قلت شعراً.
قال أبو سفيان: وماذا قلت؟
قال: قلت:
كادت تهدّ منَ الأصواتِ راحلتي * إذ سالتِ الأرضُ بالجردِ الأبابيلِ
تردي باُسدٍ كرامٍ لا تنابلةً * عندَ اللقاءِ ولا خرقٍ معازيلِ
فثنى ذلك أبا سفيان ومن معه، ثمّ مرّ به ركب من عبد القيس يريدون الميرة من
المدينة، فقال لهم: أبلغوا محمّداً أنّي قد أردت الرجعة إلى أصحابه
لأستأصلهم وأوقر لكم ركابكم زبيباً إذا وافيتم عكاظ.
فأبلغوا ذلك إليه وهو بحمراء الأسد، فقال عليه السلام والمسلمون معه: «حسبنا
الله ونعم الوكيل»
(62).
ورجع رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم من حمراء الأسد إلى المدينة يوم الجمعة، قال: ولمّا غزا رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم حمراء الأسد وثبت فاسقة من بني خطمة يقال لها: العصماء
اُمّ المنذر بن المنذر تمشي في المجالس الأوس والخزرج وتقول شعراً تحرّض
على النبي صلّى
الله عليه وآله وسلّم وليس في بني خطمة يومئذ مسلم إلاّ واحدٌ يقال له: عمير بن عدّي، فلمّا رجع رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم غدا عليهاعمير فقتلها ، ثمّ أتى رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم فقال: إنّي قتلت اُمّ المنذر لما قالته من هجر. فضرب رسول
الله صلّى
الله عليه وآله وسلّم على كتفيه وقال: «هذا رجل نصر
الله ورسوله بالغيب، أما إنّه لا ينتطح فيها
(63)عنزان».
قال عمير بن عدّي: فأصبحت فممررت (ببنيها)
(64)وهم يدفنونها فلم يعرض لي أحد منهم ولم يكلّمني
(65).
ثمّ كانت غزوة الرجيع، بعث رسول
الله مرثد بن أبي مرثد الغنوي حليف حمزة، وخالد بن البكير، وعاصم بن ثابت بن الأفلج، وخبيب بن عدي، وزيد بن دثنة، وعبد
الله بن طارق، وأمير القوم مرثد لمّا قدم عليه رهطٌ من عضل والديش وقالوا: ابعث
معنا نفراً من قومك يعلّموننا القرآن ويفقّهوننا في الدين، فخرجوا مع
القوم إلى بطن الرجيع ـ وهو ماء لهذيل. فقتلهم حي من هذيل يقال لهم: بنو
لحيان، واُصيبوا جميعاً
(66).
وذكر ابن اسحاق: أنّ هذيلاً حين قتلت عاصم بن ثابت أرادوا رأسه ليبيعوه من
سلافة بنت سعد، وقد كانت نذرت حين اُصيب ابناها باُحد لئن قدرت على رأسه
لتشربنّ في قحفه الخمر فمنعتهم الدَبر
(67) ، فلمّا حالت بينهم وبينه قالوا : دعوه حتّى نمسي فتذهب عنه . فبعث
الله الودي فاحتمل عاصماً فذهب به، وقد كان عاصم أعطى
الله عهداً أن لا يمسّ مشركاً ولا يمسّه مشرك أبداً في حياته، فمنعه
الله بعد وفاته ممّا امتنع منه في حياته
[url=http://www.ansarh.com/maaref_details_228_%D9%85%D8%BA%D8%A7%D8%B2%D9%8A_%D8%B1%D8%B3%D9%88%D9%84_%D8%A7%D9%84%D9%84%D9%87_%D8%B5_%D9%88%D8%B3%D8%