ذكر عليّ بن إبراهيم بن هاشم ـ وهو من أجلّ رواة أصحابنا ـ في كتابة: أنّ النبيّ صلّى الله عليه وآله وسلّم لمّا أتى له سبع وثلاثون سنة كان يرى في نومه كأنّ آتياً أتاه فيقول: يا رسول الله، فينكر ذلك، فلمّا طال عليه الأمر وكان بين الجبال يرعى غنماً لأبي طالب فنظر إلى شخص يقول له: «يا رسول الله».
فقال له: «من أنت»؟
قال: «جبرئيل، أرسلني الله ليتّخذك رسولاً».
فأخبر رسول الله صلّى الله
عليه وآله وسلّم خديجة بذلك، وكانت خديجة قد انتهى إليها خبر اليهودي وخبر
بحيراء وما حدّثت به آمنة اُمّه، فقالت: يا محمّد إنّي لأرجوا أن تكون
كذلك.
وكان رسول الله صلّى الله
عليه وآله وسلّم يكتم ذلك فنزل عليه جبرئيل عليه السلام وأنزل عليه ماءً
من السماء فقال: «يا محمّد قم توضّأ للصلاة» فعلّمه جبرئيل الوضوء على
الوجه واليدين من المرفق ومسح الرأس والرجلين إلى الكعبين وعلّمه السجود
والركوع.
فلمّا تمّ له صلّى الله عليه وسلّم أربعون سنة أمره بالصلاة وعلّمه حدودها، ولم ينزل عليه أوقاتها، فكان رسول الله صلّى عليه وآله وسلّم يصلّي ركعتين ركعتين في كلّ وقت.
وكان عليّ بن أبي طالب عليه السلام يألفه ويكون معه في مجيئه وذهابه لا يفارقه، فدخل على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهو يصلّي،
فلمّا نظر إليه يصلّي قال: «يا أبا القاسم ما هذا»؟
قال: «هذه الصلاة التي أمرني الله بها».
فدعاه إلى الاسلام، فأسلم وصلّى معه، وأسلمت خديجة، فكان لا يصلّي إلاّ رسول الله، وعليّ وخديجة عليهم السلام خلفه.
فلمّا أتى لذلك أيّام دخل أبو طالب إلى منزل رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم ومعه جعفر، فنظر إلى رسول الله
وعليّ عليهما السلام بجنبه يصلّيان، فقال لجعفر: ياجعفر صل جناح ابن عمّك،
فوقف جعفر بن أبي طالب عليه السلام من جانب الآخر ، فلمّا وقف جعفر على
يساره بدر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم من بينهما وتقدّم، وأنشأ أبو طالب في ذلك يقول:
إنّ عليّاً وَجعفـّـراً ثـقـتــي * عندَ ملمِّ الـزمـان والكربِ
والله لا أخـذلُ الـنـبــيّ ولا * يَخذِلهُ مِن بنيّ ذو حـسـبِ
لا تـخـذلا وانصرا ابن عمّكما * أخـي لاُمّـي مِن بينهم وأبي
قال: وكان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يتّجر لخديجة قبل أن يزوّج بها وكان أجيراً لها، فبعثته في
عير لقريش إلى الشام مع غلام لها يقال له: ميسرة، فنزلوا تحت صومعة راهب من الرهبان، فنزل الراهب من الصومعة ونظر إلى رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فقال: من هذا؟
قالوا: هذا ابن عبد المطّلب.
قال: لا ينبغي أن يكون أبوه حيّاً، ونظر إلى عينيه وبين كتفيه فقال: هذا نبيّ الاُمّة، هذا نبيّ السيف.
فرجع ميسرة إلى خديجة فأخبرها بذلك، وكان هذا هو الذي أرغب خديجة في تزويجها نفسها منه، وربحت في تلك السفرة ألف دينار.
ثمّ خرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم إلى بعض أسواق العرب فرأى زيداً ووجده غلاماً كيّساً فاشتراه لخديجة، فلمّا تزوّجها رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهبته منه، فلمّا نبىء رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأسلم علي أسلم زيد بعده، فكان يصلّي خلف رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم علي وجعفر وزيد وخديجة
(1).
وذكر الشّيخ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي في كتاب دلائل النبوّة: أخبرنا أبو عبدالله الحافظ قال: حدّثنا أبو محمّد بن أحمد بن عبدالله المزني، قال: حدّثنا يوسف بن موسى المرورذي، قال: حدّثنا عباد بن يعقوب، قال: حدّثنا يوسف بن أبي ثور، عن السدّي عن عباد بن عبدالله، عن عليّ عليه السلام قال: «كنّا مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بمكّة فخرج في بعض نواحيها، فما استقبله شجر ولا جبل إلاّ قال له: السلام عليك يا رسول الله»
(2).
وأخبرنا أبو الحسين بن بشران، أخبرنا محمّد بن جعفر بن محمّد بن نصير، حدّثنا محمّد بن عبدالله
بن سليمان، حدّثنا محمّد بن العلاء، حدّثنا يونس بن عنبسة، عن إسماعيل بن
عبد الرحمن، عن السدي، عن عباد قال: سمعت عليّاً عليه السلام يقول: «لقد
رأيتني أدخل معه ـ يعني النبي صلّى الله عليه وآله وسلّم ـ الوادي فلا يمرّ بحجر ولا شجر إلاّ قال: السلام عليك يا رسول الله، وأنا أسمعه»
(3).
وأخبرنا الحافظ قال: حدّثنا أبو العباس محمّد بن يعقوب، حدّثنا أحمد بن عبد
الجبّار، حدّثنا يونس بن بكير، عن أبي إسحاق، حدّثنا يحيى بن أبي الاَشعث
الكندي، حدّثني إسماعيل بن أياس بن عفيف، عن ابيه، عن جدّه عفيف أنه قال:
كنت امرءاً تاجراً، فقدمت منى أيّام الحج ، وكانالعباس بن عبدالمطلب
امراءاً تاجراً ، فأتيته أبتاع منه وأبيعه، قال: فبينا نحن إذ خرج رجلٌ من
خباء يصلّي فقام تجاه الكعبة، ثمّ خرجت امرأة فقامت تصلّي، وخرج غلام يصلّي
معه، فقلت: يا عبّاس ما هذا الدين؟ إنّ هذا الدين ما ندري ما هو؟
فقال: هذا محمّد بن عبدالله يزعم أنّ الله أرسله، وأنّ كنوز كسرى وقيصر ستفتح عليه، وهذه أمرأته خديجة بنت خويلد آمنت به، وهذا الغلام ابن عمّه عليّ بن أبي طالب آمن به.
قال عفيف: فليتني كنت آمنت به يومئذ فكنت أكون ثانياً
(4).
تابعه إبراهيم بن سعد، عن محمّد بن إسحاق، وقال في الحديث: إذ خرج من خباء
قريب فنظر إلى السماء فلمّا رآها قد مالت قام يصلّي. ثمّ ذكر قيام خديجة
خلفه
(5).
وأخبرنا أبو الحسين الفضل بإسناد ذكره، عن مجاهد بن جبر قال: كان ممّا أنعم الله على عليّ بن أبي طالب عليه السلام وأراد به من الخير أنّ قريشاً أصابتهم أزمة شديدة، وكان أبو طالب ذا عيال كثير، فقال رسول الله
للعبّاس عمّه ـ وكان من أيسر بني هاشم ـ: «يا عبّاس إنّ أخاك أبا طالب
كثير العيال وقد أصاب الناس ما ترى من هذه الأزمة، فانطلق حتّى نخفّف عنه
من عياله».
فأخذ رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم عليّاً فضمّه إليه، فلم يزل عليّ مع رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم حتّى بعثه الله نبيّاً فاتّبعه عليّ وآمن به وصدّقه
(6).
قال عليّ بن إبراهيم: فلمّا أتى لرسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بعد ذلك ثلاث سنين أنزل الله عليه ﴿ فَاصدَع بِما تُؤمَرُ وَاَعرِض عَنِ المُشركين ﴾
(7) فخرج رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وقام على الحجر فقال: «يا معشر قريش ويا معشر العرب، أدعوكم إلى عبادة الله تعالى وخلع الأنداد الأصنام، وأدعوكم إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله وأنّي رسول الله، فأجيبوني تملكوا بها العرب وتدين لكم العجم، وتكونون ملوكاً في الجنّة».
فاستهزؤوا منه وضحكوا وقالوا: جنّ محمّد بن عبدالله، وآذوه بألسنتهم، فقال له أبو طالب: يابن أخي ما هذا؟
قال: «يا عمّ هذا دين الله الذي ارتضاه لملائكته وأنبيائه ودين إبراهيم والأنبياء من بعده، بعثني الله رسولاً إلى الناس».
فقال: ياابن أخي إنّ قومك لا يقبلون هذا منك، فاكفف عنهم؟
فقال: «لا أفعل، فإنّ الله قد أمرني بالدعاء». فكفّ عنه أبو طالب.
وأقبل رسول الله صلّى الله
عليه وآله وسلّم في الدعاء في كلّ وقت يدعوهم ويحذّرهم، فكان من سمع من
خبره ما سمع من أهل الكتب يُسلمون، فلمّا رأت قريش من يدخل في الاِسلام
جزعوا من ذلك ومشوا إلى أبي طالب وقالوا: اكفف عنّا ابن أخيك فإنّه قد سفّه
أحلامنا، وسبّ آلهتنا، وأفسد شبّاننا، وفرّق جماعتنا.
فدعاه أبو طالب فقال: يا ابن أخي إنّ القوم قد أتوني يسألونك أن تكفّ عن آلهتهم.
قال: «يا عمّ لا أستطيع ذلك، ولا أستطيع أن أخالف أمر ربيّ».
فكان يدعوهم ويحذّرهم العذاب، فاجتمعت قريش إليه فقالوا: إلى ما تدعو يا محمّد؟
قال: «إلى شهادة أن لا إله إلاّ الله وخلع الاَنداد كلّها».
قالوا: ندع ثلاثمائة وستّين إلهاً ونعبد إلهاً واحداً؟! فحكى الله سبحانه قولهم ﴿ وَعَجِبُوا
اَن جَاءهُم مُنذِرٌ مِنهُم وَقالَ الكافِرُونَ هذا ساحِرٌ كَذّاب*
اَجَعَلَ الآلِهَةَ اِلهاً واحِداً اِنّ هذا لَشَيءٌ عُجابٌ ﴾ ـ إلى قوله: ـ ﴿ بَل لَمّا يَذُوقُواعَذابِ ﴾
(.
ثمّ اجتمعوا إلى أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب إن كان ابن أخيك يحمله على هذا الفعل العدم جمعنا له مالاً فيكون أكثر قريش مالاً.
فدعاه أبو طالب وعرض ذلك عليه، فقال له رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم: «يا عمّ مالي حاجة في المال، فأجيبوني تكونوا ملوكاً في الدينا وملوكاً في الآخرة وتدين لكم العرب والعجم».
فتفرّقوا، ثمّ جاءوا إلى أبي طالب فقالوا: يا أبا طالب أنت سيّد من سادتنا
وابن أَيك قد سفّه أحلامنا وسبّ آلهتنا وفرّق جماعتنا، فهلمّ ندفع إليك
أبهى فتى في قريش وأجملهم وأحسنهم وجهاً وأشبّهم شباباً وأشرفهم شرفاً
عمارة بن الوليد، يكون لك ابناً وتدفع إلينا محمّداً لنقتله.
فقال: ما أنصفتموني، تسألوني أن أدفع إليكم ابني لتقتلوه وتدفعون إليّ ابنكم لاُربّيه! فلمّا آيسوا منه كفّوا
(9).
وفي كتاب دلائل النبوّة: حدّثنا الحافظ بإسناد ذكره، عن إبراهيم بن محمّد بن طلحة قال: قال طلحة بن عبيدالله: حضرت سوق بُصرى فإذا راهب في صومعته يقول: سلوا أهل هذا الموسم أفيهم أحدٌ من أهل الحرم.
قال طلحة: قلت: نعم أنا.
فقال: هل ظهر أحمد بعد؟
قال: قلت: ومن أحمد؟
قال: ابن عبدالله بن عبد المطّلب، هذا شهره الذي يخرج فيه، وهو آخر الأنبياء، مخرجه من الحرم، ومهاجره إلى نخل وحرّة وسباخ، فإيّاك أن تسبق إليه.
قال طلحة: فوقع في قلبي ما قال، فخرجت سريعاً حتّى قدمت مكّة فقلت: هل كان من حدث؟
قالوا: نعم محمّد بن عبدالله الاَمين تنبّأ وقد تبعه ابن أبي قحافة.
قال: فخرجت حتّى دخلت على أبي بكر فقلت: اتّبعت هذا الرجل؟
قال: نعم، فانطلق إليه فادخل عليه فاتبعه فإنه يدعو إلى الحق.
فأخبره طلحة بما قال الراهب، فخرج أبو بكر بطلحة فدخل به على رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم فأسلم طلحة وأخبر رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم بما قال الراهب فسرّ رسول الله صلّى الله
عليه وآله وسلّم بذلك، فلما أسلم أبو بكر وطلحة أخذهما نوفل بن خويلد بن
العدويّة فشدّهما في حبل واحد ولم يمنعهما بنو تيم، وكان نوفل بن خويلد
يدعى أسد قريش
(10).
المصادر
(1) قصص الاَنبياء للراوندي: 317|395، وقطعة منه في: مناقب ابن شهر آشوب 1: 44، وتاريخ الطبري 2: 280.
(2) دلائل النبوة للبيهقي 2: 153، وانظر: الخرائج والجرائح 1: 46 | 59، سنن
الدارمي 1: 12، سنن الترمذي5: 593 | 3626، مستدرك الحاكم 2: 620، السيرة
النبوية لابن كثير 1: 411، ونقله المجلسي في بحار الاَنوار 17: 387 | 55.
(3) دلائل النبوة للبيهقي 2: 154، وكذا في: السيرة النبوية لابن كثير 1: 411،
البداية والنهاية 3: 16، ونقله المجلسي في بحار الاَنوار 17: 388 | ذيل
حديث 55.
(4) دلائل النبوة للبيهقي 2: 162، وكذا في: تاريخ الطبري 2: 311، مستدرك
الحاكم 3: 183، ووافقه الذهبي في ذيل المستدرك، ذخائر العقبى: 59، السيرة
النبوية لابن كثير1: 429، البداية والنهاية 3: 25، ونقله المجلسي في بحار
الاَنوار 18: 207 | 37.
(5) دلائل النبوة للبيهقي 2: 163، وكذا في: السيرة النبوية لابن كثير 1: 429،
البداية والنهاية 3: 25، ونقله المجلسي في بحار الاَنوار 18: 208 | 37.
(6) دلائل النبوة للبيهقي 2: 162، وكذا في: سيرة ابن هشام 1: 263، تاريخ
الطبري 2: 313، مستدرك الحاكم 3: 567، السيرة النبوية لابن كثير 1: 429،
البداية والنهاية 3: 25، ونقله المجلسي في بحار الاَنوار18: 208 | ذيل
الحديث 37.
(7) الحجر 15: 94.
( سورة ص 38: 4 ـ 8.
(9) انظر: تفسير القمي 1: 378 ـ 380، قصص الاَنبياء للراوندي: 318 | 396، مناقب ابن شهر آشوب 1: 57، تاريخ الطبري 2: 322.
(10) دلائل النبوة للبيهقي 2: 166 ـ 167، وكذا في: مستدرك الحاكم 3: 369،والبداية والنهاية 3: 29.